رعاية شباب الإسلام
عني الإسلام عناية كبيرة جدًا بالشباب لأنهم عماد الأمة،ومطمح آمالها، وعليهم جُلُّ اعتمادها في أي نهضة تقوم بها. وقد كان لجيل الشبابالمسلم في بدء الدعوة الإسلامية - أمثال عليّ ابن أبي طالب، وعمَّار بن ياسر،ومصعب بن عمير، وزيد بن حارثة، وأسامة بن زيد، وغيرهم - الفضل الأول في نشر الدعوةالإسلامية، وتثبيت أركانها.
وتعتبر فترة الشباب أهم فترة في حياة الإنسان لأنها تبدأمن لحظة البلوغ، أو من سن الرابعة عشر تقريبًا، وفي هذه الفترة تكون قد اكتملتللإنسان ذكرًا كان أو أنثى أعضاؤه الجسمانية، وتنشط جميع غرائزه محاولة إبرازملامح شخصيتة، ويقترب العقل من النضوج فيسعى للإلمام بكل ما حوله.
ومن هنا فإن الشاب يخضع لدوافع داخلية كثيرة وخطيرة، غيرالمؤثرات الخارجية تؤثر في سلكوكه وعاداته، وتحاول أن تلقي بظلِّها على شخصيتهوتصرفاته. والإسلام بطبيعته الشمولية لم يهمل هذه المؤثرات، ولم يطالب بتنحيتهاجانبًا، لكنه وضع أمثل الطرق لاستخدامها والاستفادة بها في حياة المرء، حتى يكونالمرء متوازنًا بين مطالب الجسد ومطالب الروح، عاملاً لسعادة نفسه وبني جنسه فيالدنيا، ونجاة نفسه في الآخرة، وذلك ما نجده واضحًا في بناء الإسلام للشباب في هذهالفترة.
فهو يهتم بكل ما له علاقة بالجنس، بدءًا من المراهقة،فالبلوغ وعلاماته، إلى الخطبة فالزواج وما يتعلق بذلك من أحكام شرعيَّة وآدابخُلُقِيَّة.
ويحرص على توضيح صفات النفاق والمنافقين - مع شدةالتحذير منها - ليتجنبها الشباب في سلوكهم، فيخلو المجتمع من مرض النفاق، فيصلحويسعد.
وهو حريص على تكوين جهاز الرقابة الإيمانية في نفوسالشباب ضمانًا لاستقامتهم، ورغبة في سعادتهم.
ثم هو يضع اللمسات الإيمانية في كافة فروع العلومالطبيعية والإنسانية ليمتزج الدين بالعلم، فيكون العلم مُحَصَّناً بالفضيلة،محفوظاً من الاتجاه به نحو الفساد أو الرذيلة.
وسنحاول إبراز بعض هذه الجوانب ليتضح لنا عظمة الإسلامفي تربية شبابه، وسُمُوِّه في توجيه عواطفهم ورغباتهم؛ والأخذ بأيدهم إلى منازلالكمال، والحرص على بلوغهم شأو الرجال.
أولا: التثقيف والتربية الجنسيةاهتم الإسلام بالجنس اهتمامًا منقطع النظير، ويظهر ذلكفي إشباع الفقهاء القول في كل ما له علاقة بالأعضاء التناسلية. فقد تكلموا بإسهابعن ختان الذكورة وأنه من الفطرة، وخفاض النساء وأنه مكرمة، وتكلموا عن الخطبةوالزواج، وأعطوا لهما حقهما من البحث والتنقيب، وإصدار الفتاوى الشرعية، وذكرواالعيوب التي تُرَدُّ بها الزوجة، ومنها عيوب الفرج التي لا يمكن معها المعاشرة،ولم يهملوا الكلام عن قضايا العذارة والبكارة والثيبوبة، وقد فرَّقوا بين العذراءوالبكر، وأعطوا لكل منهما حُكمًا مستقلاً، لا سيما عندما يصل الأمر إلى القضاء.
وتكلموا عن الحمل والولادة والرضاع، وحكم جماع المرضعة،وزواج المتعة والزنى والشذوذ الجنسي واللواط والسحاق وغير ذلك.
ويمارس الأزهر بين طلبته من البنين والبنات - كلّ فيمعهده - بداية من سن الأولى الإعدادية تدريس هذه الثقافة في الإطار الإسلامي الذييهدف إلى إيصال الحقيقة - العلمية أو النظرية - بواقعها إلى ذهن الطالب في وضوح؛محاطة بسلوك خُلُقِيٍّ رفيع، يجعل الطالب يمارسها عن قناعة.
وهذه لمحة سريعة لبعض ما يدرسه الطالب الأزهري والطالبةفي معهديهما، فيثقفان ثقافة جنسية في إطار الأحكام الشرعية، تنير لهما سبل المعرفةمع دين صحيح سليم، نقلناها من مقال الدكتور علي أحمد الخطيب رئيس تحرير مجلةالأزهر بعنوان (الأزهر والثقافة الجنسية) عدد ربيع الأول 1416 هـأغسطس 1995 م حيث يقول: ( ونقدم هنا جانبًا مختصرًا للغاية عن بعض هذهالدراسة).
أولاً: لكي يتعرف الطالب والطالبة بدقة على الوضوء ،ينبغي أن يعلما أولاً نواقض الوضوء عند الرجل والمرأة على سواء، وبالتالي يتعرفانعلى كل ما يخرج من السبيلين لديهما مما ينقض الوضوء، فيعرفان ألوان الماء الخارجمن الرجل، ومكان خروجه صراحة، ويتعرفان على خصيصة هذا الماء من: بول، ومَذيٍّ،وودْيٍّ، ومَنِيٍّ، ووقت خروج كل من هذه الثلاثة الأخيرة، وسبب خروجه، ثم كيفيةالطهارة منه، ومتى يكون خروج أي من الأربعة ناقضًا للوضوء، أو موجبًا للغسل، ومتىلا يوجب وضوءًا ولا غسلاً؟.
وتقتضي دراسة خروج المني معرفة أسبابه، وما كان منهاحلالاً، أو حرامًا، أو مكروهًا، وأحوال كلٍّ، وما يقتضيه خروج المَنِيِّ شرعًا منوجوب الغسل! ويتعرفان - كلٌّ من الطالب والطالبة - على ألوان الخارج من قُبلالمرأة صراحةً ماء أو دماء، وأسبابها، ومتى تَمْنَعُ هذه الدماء مباشرة الرجللزوجته؟ ومتى لا تمنع مع وجودها؟ ويعتبر الطالب الأزهري - ومثله الطالبة - على علمدقيق بالتفريق بين دم الحيض والنفاس، ودم الاستحاضة، ودرجات هذه الدماء كثافةورقة، وماء المرأة الذي يعقب الحيض تمامًا، وهذا الأخير لا تعلمه أكثر النساء!! ثمهما - الطالب والطالبة - أيضًا على عِلْمٍ - في هذا المقام - بحال من ابتدأتْالحيض، ومن اعتادته، وما ينبغي لكل منهما ـ حيال هذا الخارج منها.
ثانياً: وإذا درسا الغسل كان عليهما أن يدرسا موجباتهالخمس، وفي مقدمتها المباشرة الزوجية، وكيف تتم، فيدرس كل منهما أمرها، وواجبالمرأة حيالها، وواجب الرجل أيضًا، وآداب هذه المواصلة حتى لا يقع الرجل على زوجتهكما تقع البهيمة على أنثاها .... الخ ). انتهى.
وإذا انتقلنا إلى الحديث النبوي الشريف فإننا نجدالصحابة الكرام رضوان الله عليهم، والصحابيات الماجدات رضوان الله عليهن لميترددوا أن يسألوا عن دينهم - سواء تعلَّق الأمر بالجنس أو بغيره - يستعملون الوساطة في السؤال أحيانًا لظروف خاصة، ويسألون طورًا آخر الرسول صل الله عليه وسلم مباشرة ومواجهة استفادة وإفادة. نماذج من الأسئلة التى طرحت على الرسول
وهذه نماذج من الأسئلة التي طرحت على رسول الله r ، ليعطي فيها الحكم والأدب اللائق بها، وقد استمع إليها وأجاب عنها بوضوحتام بدون لوم ولا تثريب.
الحيض: روى الإمام البخاري عن عائشة رضى الله عنها أن امرأة سألت النبي صل الله عليه وسلم عن غُسلها من المحيض فقال لها: (خذي فرصة من مسك فتطهري بها، قالت: كيفأتطهَّر؟ قال تطهَّري بها. قالت: كيف؟ قال سبحان الله!! تطهَّري، فاجتذبتها إليَّفقلت: تبتغي بها أثر الدم).
الغسل: روى الإمام مالك (أن الصحابي الجليل أبا موسىالأشعري رضى الله عنه أتى السيدة عائشة رضى الله عنها زوج النبي صل الله عليه وسلم ، فقال لها: لقد شق عليَّ اختلاف أصحابالنبي صل الله عليه وسلم، في أمر إني لأعظم أن أستقبلك به!! فقالت: ما هو؟ ماكنت سائلاً عنه أُمَّك فسلني عنه. فقال: الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل، فقالت:إذا جاوز الختان فقد وجب الغسل، فقال أبو موسى الأشعري: لا أسأل عن هذا أحدًا بعدك أبدًا).
الاحتلام: عن عروة بن الزبير رضى اللهة عنه أن أم سليم قالت لرسول الله صل الله عليه وسلم : { المرأة ترى في المنام ما يراه الرجل، أتغتسل؟ فقال لهارسول الله صل الله عليه وسلم : ( نعم فلتغتسل. فقالت لها عائشة: أفٍّ لكِ، وهل ترىذلك المرأة؟ فقال لها رسول الله صل الله عليه وسلم : تربتْ يمينُكِ، ومن أين يكون الشبه؟).
وفي رواية السيدة أم سلمة رضى الله عنه زوج النبي صل الله عليه وسلم أنها قالت: (جاءت أم سليم امرأة أبي طلحة الأنصاريإلى رسول الله صل الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إن الله لا يستحي من الحقّ، هل على المرأة من غُسْلٍ إذا هي احتلمت؟ فقال: نعم إذا رأتْ الماء).
الزواج وقضية العسيلة: روى الإمام البخاري عن السيدة عائشة: (أن رفاعةالقرظي تزوَّج امرأة ثم طلَّقها، فتزوجتْ من آخر، فأتتْ النبيَّ صل الله عليه وسلم فذكرت له أنه لا يأتيها، وأنه ليس معه إلا مِثُلُ هدبه، فقال: لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك).
مباشرة الحائض: عن أبي ميسرة عن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت: (كان النبي صل الله عليه وسلم يباشرني وأنا حائض، ويدخل معي في لحاف وأنا حائض، ولكنه كان أملككم لإربه).
والمقصود من قولها: (يباشرني)، القُبْلَةَوالمُعَانَقَةَ ومَسَّ ثديها، وليست تعنى بكلمة (المباشرة) الجماع، بدليل حديث عائشة رضى الله عنها أيضًا كما هو في مسند الإمام أحمد: (كان إذا كان كذلك - أي الحيض - منإحدانا، ائزرت الإزار الواسع، ثم التزمتْ رسول الله صل الله عليه وسلم بيديها ونحرها). وفي رواية للإمامالنسائي ونورد ما أخرجه أحمد عن جميع بن عمير: (كان يأمرنا إذا حاضتْ إحداناأن تأتزر بإزار واسع، ثم يلتزم صدرها وثدييها).
الألفاظ القرآنية فى المواضيع الجنسية
هذا وإذا انتقلنا إلى القرآن الكريم والأسلوب الراقى فىالتعبير، فإنا نجده يذكر الحيض أربع مرات، ويذكر النكاح ثلاثًا وعشرين مرة، ويصرح بلفظة الزواج إسمًا أو فعلاً إحدى وثمانين مرة. ويذكر العملية الجنسيَّة بعباراتمختلفة، تؤدي كلها نفس المعنى الذي هو الجماع ولكن بتعبيرات راقية وألفاظ سامية لاتخدش الحياء ولا تستثير الغرائز، منها:
1) المباشرة، في قوله تعالى: } عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْتَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَبَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ { [187- البقرة].
2) الإتيان، في قوله تعالى: } نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْحَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ { [223- البقرة].
3) الإفضاء، في قوله تعالى: } وَكَيْفَتَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا { [21- النساء].
4) الملامسة، في قوله تعالى: } أَوْلاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ { [43- النساء].
5) التغشي، في قوله تعالى: } فَلَمَّاتَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ { [189- الأعراف].
6) الحرث، في قوله تعالى: } نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْحَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ { [223- البقرة].
7) المس، في قوله تعالى: } وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَنتَمَسُّوهُنَّ { [237- البقرة].
الرفث، في قوله تعالى: } أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِالرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ { [187- البقرة].
9) النكاح، في قوله تعالى: } فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنبَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ { [230- البقرة]
10) الاستمتاع، في قوله تعالى: } فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً { [24- النساء].
ولا أنسى أنأذكر هنا أن بعض علماء الأديان المقارنة أسلموا لما تكشف لهم رقى الألفاظ القرآنيةالمستعملة فى المواضيع الحساسة مقابل ألفاظ فجة وخادشة للحياء فى كتب أخرى(سماوية) غير القرآن.
تم نقل الموضوع من كتاب : تربية القرآن لجيل الإيمان:
http://www.fawzyabuzeid.com/news_d.php?id=169